-->

رأيي الشخصي في رواية افرح يا قلبي للكاتبة علوية صبح

رواية أفرح يا قلبي

" افرح يا قلبي" رواية للكاتبة اللبنانية علوية صبح من بقرأ هذا العنوان يشعر إنه عنوان موسيقي يرمي بنا في حضن الفرح، هذا النسق الظاهر، أما النسق المضمر هو التشت والهوية الضائعة وأزمة الانتماء وعدم وضوح الصورة.

رواية أفرح يا قلبي

تدور الرواية حول هروب غسان الذي أحب الموسيقى منذ صغره من قريته دار العز إلى أمريكا بعد أن فشل في نزع ملامح الفوضى من شخصيته، فوضبها معه ضمن حقائبه، وكأنه يدفع بها ضريبة مجتمع بكامله، ويحاكم على ذنب عائلة لم يختر الولادة فيها لا يجمع بينها سوى الاختلاف وتأججها نار الخلاف. مشهدية روائية تشكل مرآة تعكس جوهر دولة تحاول أن تكون وطنا. وأرض لم تتسع لوجوده فهاجر بحثا عن سواها.، وهناك يتعرف على كيرستن الذي بعمر والدته ويقترن بها.

تشتت غسّان بين ثلاث نساء: شرقية راضخةٌ تغذّي فيه جانب ذكوريته الذي يكرهه، وغربية حرّة تُشعره بتكامل رجولته في مساواتها به، وامرأة حلم كانت حبّه الأول أيام مراهقته، في ظلّ هيمنة ذكريات المكان وآثار المعتقدات المتخفية داخل الشخصيات وتأجيجها للصراعات؛ حتى إيصال القارئ للوقوف أمام صندوق الاحتمالات لاختيار واقع غسان الجديد وواقعه في تشابك الواقعات الافتراضية.

رأيي كقارىء حول رواية أفرح يا قلبي

تتكون هذه الرواية من محطات وحلقات وعي - يقطعها أزمنة وأمكنة ، لكل مكان زمانه الحضاري والاجتماعي، أو موضعه من سلسلة التطور، وتتبنى فيها الكاتبة سياسة الصوت الواحد، وتوزعه على عدة شخصيات ومونولوجات. رواية مركبة من مشاهد متناوبة، تبدأ بالتعايش وتنتقل إلى المعايشة أو الاكتشاف وتنتهي بالتأزم،

وأعتقد أن الأسماء كانت مدروسة جدا عندما حددتها الكاتبة علوية صبح على شخصياتها، ، فدار العز شيء له علاقة بالكرامة، في حين أن غسان هو إشارة وجودية عن القلق الحضاري والتاريخي الذي مزق هوية العرب الغساسنة ورسم في داخلهم شقا بنيويا يعزل المكونات عن العناصر.

ولا تضيف بقية الشخصيات شيئا لمضمون الرواية وإنما تساعد على توسيع الحبكة وتنويع التفاصيل. ومن بينها رلى زوجة غسان اللبنانية التي تلعب دورا محدودا في الأحداث، فهي ليست مجرد زوجة ثانية، بل إنها شيء له علاقة بالذاكرة القديمة التي تقاوم النسيان والإلغاء.

برأيي يعكس غسان بشخصيته مثله مثل كثير من جيله أزمة معرفية، راهنت على تحرير المضمون من كل التصورات المسبقة. وإذا اختارت الرواية له الموت بحادث عشوائي وهو على متن الطائرة في الجو عائدا من بيروت إلى نيويورك - إشارة إضافية للعودة المستحيلة أو المستقبل الإنكاري. ويبدو أن مكمن الفاجع ليس في اختلاف الحضارات فقط ولكن في القطيعة بين الروح والجسد أو الحرية المشروطة والالتزام المفتوح. وهو ما يتحول إلى فجوة في حياة كل إنسان عاقل.

ما يسجل لعلوية صبح هو رغبتها الصادقة باكتشاف طريق للمصالحة وتوسيع الهوية الوطنية إلى هوية إنسانية عابرة للحدود والقوميات، وقبل كل ذلك عابرة للأديان. فقد كان المشهد الافتتاحي يدل على مركزية أطروحة المصالحة الدينية من خلال العلاقة الحميمة بين عائلة غسان وعائلة جورج، وهو صديق لغسان، ونحره سليم التكفيري شقيق غسان نفسه.

وفي النهاية المفتوحة على احتمالات الواقع الافتراضي، تعود الرواية بالقارئ إلى ما حدّدته الراوية تقريباً في فقرات إهدائها التي لم تأخذ شكل الإهداء وإن أخذت عموم تكوين الرواية، إلى إدوارد سعيد، في معالجته لمعنى الوطن ووجوده في الكتابة بالنسبة لمن فقد وطنه، ومعالجته للمنفى الذي لا يزول ويتأجج دائماً بإحساس الفقد، والتساؤلات الوجودية حول المنفى إن كان «مقولة الجغرافيا ــ مقولة التغيير في المكان ـــ فحسب؟ أم هو التباسٌ قسريٌّ على مستوى السيكولوجيا، وشرخٌ في الوعي، ومن ثم تحوّلٌ في الرؤية إلى الذات والعالم؟ ومعالجته للموسيقى التي: «تعطيك الجمالَ لتهرب من الحياة من ناحيةٍ، وأن تفهم الحياة بشكل أعمق».

كلما أمعنا القراءة في رواية علوية صبح "افرح يا قلبي"، يأخذنا إسقاطها لشخصية غسان وإخوته والعائلة المشرذمة إلى واقع البلد الحقيقي، كأنها تتحدث بألسنة شخصياتها عن لبنان الوطن الذي يقودنا إليه انتماء أعمى وهوية لا ملامح لها. يحضر لبنان بتعافيه وأمراضه، بمجده وانتماءاته.

في رواية " افرح ياقلبي" وردت جملة تختزل الرواية برمتها عندما يقول غسان اللبناني لزوجته الأمريكية " أنسيتي أنني أمريكي ؟"، هذه الجملة ذات دلالة اكتنازية وتعبير مكثف هي الغاية والتحقق في الوقت نفسه، نسقها الظاهر أن غسان يحمل قيم المجتمع الغربي ولكن غسان رجل شرقي أيضاً ويحمل قيم المجتمع الشرقي الذي خرج منه وهذا هو النسق المضمر ..والنسقين على طرفي نقيض.

الخاتمة:

" افرح ياقلبي " ....على ماذا سيفرح القلب؟

على أزمة الانتماء والهوية ؟ على الضياع والقلق والهجرة والغربة والشتات وذكورية الشرق المستفحلة ؟

هل سيفرح القلب لأجل البائسين والضائعين والجائعين والهاربين من دورة الدم والمنساقين إلى أقدراهم كالمجهول وأخواته ؟

«افرح يا قلبي» روايةٌ متشابكةٌ مشغولةٌ بتأنٍّ ودراساتٍ وزمنِ نارٍ موقَّتٍ على جودة الإنضاج، ولكنْ أيضاً، بسلاسةٍ وتدفّق وحميميةٍ وناريةٍ تتداخل مع شغف القارئ لمتابعة الأحداث بعمقٍ ولا توقفه السجلّات بسبب تشابكها مع الشخصيات كحياتها.