-->

أبجدية أوغاريت مهد أقدم أبجدية مكتوبة في التاريخ

ابجدية أوغاريت

أثناء أعمال التنقيب في مدينة أوغاريت، التي عُثر عليها بالصدفة في عام 1928-1929 في رأس شمرا، سورية، تم العثور على عدد من الألواح الطينية المسمارية. تعود جميعها إلى المرحلة الأخيرة من أوغاريت حوالي 1200 قبل الميلاد. لم تعرف اللغة التي كانت مكتوبة على الألواح عندما عثر عليها، إلا أنها كانت مكتوبة مكتوبة بلغة سامية شمالية غربية عُرِفت فيما بعد بأنها اللغة الأوغاريتية.

معكم ابن السما الأوغاريتي، حكايتي عن أبجدية أوغاريت، ومدى تأثيرها على اللغة العربية الفصحى، وأوجه التشابه بينها وبين اللغة الدارجة في مدينة اللاذقية.

حكايتنا اليوم عن الأبجدية الأوغاريتية

شهد العالم في منتصف الألف الثاني قبل الميلاد بداية التحولات الثقافية والتعليمية ، من حيث التفكير بتغيير الأنماط الكتابية السائدة ، وبالأخص الثورة على الهيروغليفية والمسمارية الأكثر تداولا ًفي العالم القديم.

جاءت هذه الثورة من الساحل السوري الذي كان صغيرا ً بمقاييس المساحة والنفوذ والقوة ، لكنه كان الأكبر من حيث المساهمة الحضارية التي قدمها للإنسانية.

كانت هناك صعوبات في التعامل مع اللغتين الدوليتين السائدتين حينها:

  • الهيروغليفية وكثرة رموزها وأسمائها وحروفها.
  • المسمارية المقطعية ، حيث كل شكل ٍ فيها يمثل مقطعاً صوتياً.

وحيث في الكتابتين آلاف الأشكال مما يصعب استخدامها.

من هنا يمكننا القول بأن الأبجدية الجديدة هي : أول وأقدم أبجدية في التاريخ، وهي أساسٌ مصري ، صنع ٌ سوريٌ وتوزيع ٌ لبناني.

فقد كانت هناك محاولاتٌ في الكتابة الأبجدية في وادي النيل ، لكن هذه المحاولات لم تعط سوى الأبجدية السينائية غير المكتملة ، ورغم عدم وجود دليل ٍ أكيد ٍ على أن الأوغاريتيين أخذوا من المصريين ، فإن التشابه يقود إلى ذلك . كما أن التأثر والتأثير المتبادلين في تلك الفترة يفرض ذلك . وهذا ما سنراه عند المقارنة بين أبجدية (جبيل ) وأبجدية (أوغاريت) . مع ذلك فإن بعض الدارسين للغة الأوغاريتية يؤكدون أن الأبجدية الأوغاريتية هي اختراع ٌ محلي ٌ صرف ، وليس تطويرا ً لأية أبجدية ٍ أخرى.

أما أبجدية ( جبيل ) فهي تطوير ٌ لأبجدية (أوغاريت ) ولا يمكن أن تسبقها ، لانها دونت في القرن العاشر قبل الميلاد في عهد – أحيرام الشهير – وهي مكونة من 22 حرفا ً، ويبدو أنها المقصودة في كلام فيليب حتي:

( إن الفضل يعود لـ - قدموس – أخي– عربا– في إدخال حروف الهجاء إلى بلاد الإغريق ومنها إلى أوروبا ).

دونت أبجدية ( أوغاريت ) في عهد ملكها الأشهر–نقماد الثاني– (1370-1340ق .م ) وهي مكونة من 30 حرفاً، وتأخذ الترتيب الأبجدي العربي المعروف ( أبجد هوز حطي كلمن....).

يقول جبرائيل سعادة عن أبجدية أوغاريت: "إنه لأمر يبعث على التأثر أن نفكر بأن الأطفال اليوم في عدد كبير من بلدان المعمورة، يتعلمون استظهار الأبجدية بالترتيب ، الذي اختاره لها كاتب من أوغاريت ، منذ أربعة وثلاثين قرنا من الزمن ."

اللغة الأوغاريتية واللغة العربية الفصحى

يقول د. علي أبو عساف: " معظم العلماء المهتمين بدراسة اللغات الشرقية، قللوا من استشهادهم بمفردات اللغة العربية وقواعدها
حين يدرسون نصاً أوغاريتياً، إن اللغة العربية ليست سوى المرحلة النهائية التي تطورت إليها لغات بلادنا القديمة".

الدكتور الياس بيطار مدرس اللغات القديمة يقول في كتابه (قواعد اللغة الأوغاريتية ): " إن البناء اللغوي للغة الأوغاريتية ربما يمثل الطفولة المفقودة للغة العربية التي لم تكشف حتى الآن، فالأوغاريتية تتطابق مع الجذور اللغوية التي تظهر في هذا العدد الهائل من الألفاظ المشتركة بين اللغتين، وكذلك في البناء اللغوي الذي أثبتت دراسته بالمقارنة مع اللغات الشرقية الأخرى – أنه واحد- . "

ويقول جبرائيل سعادة: " بالنسبة للمفردات , يبلغ عدد الكلمات الأوغاريتية الواردة في النصوص المكتشفة حوالي 2768 كلمة، 
يتضمن هذا العدد أسماء الآلهة، وأسماء الأشخاص، وأسماء الأماكن، وحوالي ألف كلمة منها، أي ثلثي المفردات الأوغاريتية مطابقة تماما ً للمفردات العربية ، أو قريبة جداً منها، إن التشابه لا يقف عند هذا الحد، فهناك تفريق بين الحاء والخاء في اللغتين، وكذلك بين العين والغين، وهناك نقاط تشابه في مجال الصرف, والنحو، كالتشابه في الجملة الفعلية، واستخدام المثنى، وجمع المذكر السالم، وجمع المؤنث السالم، وجمع التكسير.

التشابه بين اللغة الأوغاريتية واللهجة الدارجة في اللاذقية

هذا التشابه واضح ٌ في أكثر من مجال، يقول العالم الإنكليزي جون هيلي: " إن سكان اللاذقية هم في مجال الثقافة واللغة ورثة الشعب الذي كان قاطنا ًفي أوغاريت، فلا غرابة أن تكون بعض المفردات، وكذلك أشكال ٌ من قواعد الصرف قد بقيت في اللغة المحلية الدارجة، ولا شك أن هذا سيسهل دراسة النصوص الأوغاريتية ,وخاصة ً عندما ترد عبارة (شبع بكي )".

أضف إلى ذلك اختفاء حرف النون في اللغة الأوغاريتية, والدارجة اللاذقانية. كأمثلة على ذلك "بت عوضاً عن بنت، إت عوضا ًعن أنت". إن الكلمات الأوغاريتية التي ما تزال تعيش بيننا كثيرة ٌ جدا ً.

فإذا سمعت ابن اللاذقية يقول حتى اليوم: " ما فا الدجن ببيتنا " فهو يقصد : لا يوجد الدجن في بيتنا، و الدجن اسم إله القمح (داجن ) ويقصد به في اللاذقية الخبز.

ولا تستغرب أن يقال عن الأهبل : خفوشة , فقد كان أجدادنا الأوغاريتيون يستخدمون الكلمة بالمعنى نفسه.

بعض الكلمات الدارجة في اللاذقية وهي أوغاريتية

  • غلة: بمعنى مبلغ
  • خزق: بمعنى مزق
  • هوبر: صرخ
  • كمان: أيضا ً
  • أجر : رجل
  • شلف : رمى
  • اساته: لا يزال
  • سكر: أغلق
  • شقل: حمل
  • عيَن: نظر إلى
  • بعدين : ثم
  • حشك :حصر
  • بقبش : فتش عن
  • دبلان : مريض
  • جورة : حفرة
  • سمط : صفع
  • تفل: وقع إلى الأسفل
  • كسم: شكل
  • سفأ: نهم

أخيراً فإذا كنت من اللاذقية فلا يحرجك تندر البعض حول كلمة : عيّن (المشددة )، فاستخدام الإسم كفعل ٍ كان دارجا ُ في أوغاريت، وكذلك تسكين الحرف الأخير من الفعل الجماعي" أخدوهْن , أكلوهْن ..."