الحج هذه الأيام في سبيل الشيطان وليس إلى البيت الحرام
"هذا الحج في سبيل الشيطان وليس إلى بيت الرحمن"، مقال كتبه الدكتورأحمد صبحي منصور في موقع الحوار المتمدن وننقله كما هو حرفيا، ولكننا سنضيف رأي الفقهاء وعلماء الدين في بعض النقاط الحساسة التي طرحها الدكتور أحمد صبحي منصور.
مقدمة:
يقول الدكتور أحمد صبحي منصور، جاءني هذا السؤال: " يذكر القرآن الكريم أن الكعبة بنيت منذ زمن ابراهيم عليه السلام ودعا الناس للحج إليها ، ونحن نعرف بأن اليهود والنصارى وأنبيائهم موسى وعيسى يؤمنون بابراهيم , والسؤال هنا لماذا انفرد المسلمون بتقديس البيت الحرام ولم نسمع مرة أن اليهود والنصارى يقدسونه ويرغبون بالحج إليه بينما اتفق اصحاب الديانات الثلاث على قدسية مدينة القدس في فلسطين؟"
تاريخ الحج
1. الكعبة بيت الله الحرام هي أول بيت لربّ العزّة وضعه الله جل وعلا للناس ، منذ أن كان هناك على كوكب الأرض ناس ، أي منذ الجيل الأول من أبناء آدم . لذا هو (البيت العتيق): {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29) (ثُمَّ مَحِلُّهَا إلى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (33) الحج ) . ( العتيق ) أي القديم.
فهو البيت العتيق الذي جعله الله جل وعلا قياما للناس منذ كان هناك (ناس )، يقول جل وعلا " ( جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَاماً لِلنَّاسِ"(97) المائدة .
2. وقبل ابراهيم عليه السلام مرت على البيت الحرام عصور غطته الأوثان والأصنام والقبور المقدسة ، ثم أوضح الله جل وعلا لابراهيم مكان البيت: "وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ" (26 الحج )، وأمره وابنه اسماعيل برفع قواعده: "وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127 البقرة)، وتطهيره ممَّا أحاط به من أوثان : "وَعَهِدْنَا إلى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125 البقرة). "وَطَهِّرْ بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ" (26 الحج).
ثم أمره بالدعوة العامة إلى الحج الي البيت الحرام من كل فج عميق ، وجعل البيت الحرام سواء للناس جميعاً ، المقيم في مكة والذى يقطع البوادي حجّاً إليه ، يقول جل وعلا " وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِي " (25 الحج).
الشرط في الحج هو الأمن للجميع داخل بيت الله الحرام ، فقد فرض الله جل وعلا الأمن لمن يدخل في بيته "وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً " (97 آل عمران ) ، بل والأمن للمسافر إليه والأمن لما يكون معه من حيوانات الهدى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَاناً ) (2 المائدة).
وجعل الحج إليه للناس جميعاً المسالمين منهم الذين يحترمون كون البيت الحرام مثابة للناس وأمناً ، يقول جل وعلا ( وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً ).
وفي حرم الرحمن حيث الأمن والطمأنينة ينسون فيه خلافاتهم وشقاقاتهم ويتفرّغون أياماً يتطهّرون فيها من المعاصي.
3. ومعلوم أن هذه هي أوامر الله جل وعلا . ومعروف أن تنفيذها يقع على البشر ، وهم مسئولون عن هذا التطبيق يوم الدين ، ومعروف أيضاً أن اكثرية البشر ضالُّون مُضلّون عُصاة فاسقون: (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأرض يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ) (116 الأنعام). ويظهر هذا في تطبيق شرع الرحمن جل وعلا سواء في العبادات أو في السلوكيات . منهم من لايؤدّي العبادات أصلاً ، ومنهم من يؤدِّيها بخلاف شرع الرحمن جل وعلا .
4. لقد تلاعب الشيطان بالبشر قبل ابراهيم ، ثم تلاعب بذرية ابراهيم وغيرهم . منهم من إستمر يحج إلى البيت الحرام من العرب وأهل الكتاب ، ولكن مع تحريف وتقديس للبشر والحجر . النتيجة المؤسفة أنه لم يعد حجّاً للبيت الحرام بل حجّاً في سبيل الشيطان.
5. الدليل الساطع أنه لايمكن لأحدهم أن يتصوّر نفسه يحج للبيت الحرام دون زيارة (الحبيب) و (الروضة الشريفة). هنا يكون حجه هذا في سبيل الشيطان ، لأنه يقدس رجساً من عمل الشيطان .!!
عودة مناسك الحج القديمة قبل الإسلام
1. نزل القرآن الكريم في إصلاح ما أفسده العرب وأهل الكتاب في ملّة ابراهيم . كان العرب يحجون طيلة الشهر الحرم ، ولكن مع ابتداعات وإعتداءات ونسىء ومظالم وانتهاك لحُرمة البيت الحرام ، والحج للأوثان والقبور المقدسة وملء البيت الحرام بأوثانهم وما كان يعرف بطواف العراة وإستغلال قريش للبيت الحرام وسيطرتها على مناسك الجج في سلب العرب أموالهم . نزل القرآن الكريم في إصلاح ملة ابراهيم ومنها فريضة الحج.
ولكن ما لبث أن عادت التحريفات القديمة وتحصّنت بأحاديث شيطانية ماأنزل الله جل وعلا بها من سلطان ، وبتشريعات شيطانية تنسب نفسها للإسلام بالزور والبهتان . وبها تتم مناسك الحج اليوم ، ويعود منها (الحاج) يحمل لقب (الحاج) يختال به يفخر بأنه (زار الحبيب) وشاهد الروضة ووضع يده على شبّاك النبي ، وأن النبي شعر به وإستعرض أعماله فأصبح مغفوراً له، فرجع (عارياً) من الذنوب كيوم ولدته أمُّه . والحقيقة أنه رجع جالساً على خازوق أكبر من برج إيفل .!! .
رأي فقهاء وعلماء الدين حول زيارة قبر النبي في الحج
من لم يزر قبر النبي (ص) ليس عليه إثم، الحج مستقل، والزيارة مستقلة، فليس من شرط الحج الزيارة، ولا من أركانه، ولا من واجباته، فإذا حج ولم يزر المدينة، ولم يزر النبي ﷺ فلا شيء عليه، حجه تام، ولكن يستحب أن يزور المدينة، وأن يصلي في مسجد النبي ﷺ في أي وقت، يزور المدينة، لأن الرسول عليه السلام قال: "صلاةٌ في مسجدي هذا، خيرٌ من ألف صلاة فيما سواه، إلا المسجد الحرام" (موقع الإمام ابن باز).
2. يكفي من سخرية الشيطان بهم أنه جعلهم يعتقدون أن الإحرام للرجال هو في لبس لباس يكشف عوراتهم ويظهر مؤخراتهم . ولو قيل لهم غير ذلك ثاروا وغضبوا . إن الاحرام هو نيّة التبتّل لربّ العزّة طيلة تأدية المناسك ، حيث يجتمع وقتها (الحرم المكاني والحرم الزماني والحرم القلبي الإيماني) ، ونرى هذا في الحج إلى البيت الحرام (الحرم المكاني) الذي شرعه الله جل وعلا لنؤديه في الأشهر الحُرُم (الحرم الزماني) { ( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِي يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ (197 البقرة).
ويكون الإحرام بتطهير القلب من الشرور وإخلاص العبادة وتأدية المناسك وقت الحج، وهذا هو معنى الإحرام ، وهو اجتماع الحُرُمات الثلاث: القلب المؤمن الخاشع الذي يؤدي المناسك في (الزمان) الحرام أو الشهر الحرام ، وفي (المكان الحرام) البيت الحرام ).
لو قلت لأحدهم إن الإحرام ليس مجرّد لباس للرجال يكشف العورة، لأتهمك بالكفر مصمماً على كشف عورته في البيت الحرام . ناسياً إن ربّ العزّة جل وعلا يقول :{ (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ) (31 الأعراف). فإذا كان التزيّن واجباً عند كل مسجد ، فكيف بالمسجد الحرام ؟
رأي فقهاء وعلماء الدين حول لباس الإحرام في الحج
مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر أن رجلا سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يلبس المحرم من الثياب ؟ ، فقال رسول الله ﷺ : "لا تلبسوا القمص ، ولا العمائم ، ولا السراويلات ، ولا البرانس ، ولا الخفاف إلا أحد لا يجد نعلين فيلبس الخفين وليقطعهما أسفل من الكعبين ، ولا تلبسوا شيئا من الثياب مسه الزعفران ولا الورس".
قال البخاري – رحمه الله – في صحيحه ( 2 / 558 ): باب الطيب عند الإحرام وما يلبس إذا أراد أن يحرم... ولم تر عائشة رضي الله عنها بالتُبَّانِ بأساً للذين يرحلون هودجها.
ومن هذه الأحاديث يرى الأكثرية ولا مجال لذكرهم، الصحيح "أنه يمنع الرجل المحرم من لبس التبَّان ، ويُحمل ما ورد عن عائشة رضي الله عنها أنه للضرورة".
ويتابع الدكتور أحمد منصور، لو قلت له إنه يمكنه أن يحج خلال الأشهر الأربعة الحُرم من ذى الحجة إلى ربيع الأول وقرأت له قول ربّ العزّة :{ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ ) لاتهمك بالكفر لأن هذا يخالف ماوجد عليه آباءه.
رأي فقهاء وعلماء الدين في قوله تعالى الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ
قوله تعالى : ( الحج أشهر معلومات ) معناه أن الوقت الذي يؤدى فيه الحج أشهر يعلمها الناس ، وهي شوال وذو القعدة وذو الحجة ; أي : إنه يؤدى في هذه الأشهر ، ولا يلزم أن يكون من أول يوم منها إلى آخر يوم ; بل معناه أنه يصح الإحرام به من غرة أولها وتنتهي أركانه وواجباته في أثناء آخرها ، فالوقوف في التاسع من ذي الحجة وبقية المناسك في أيام العيد وهي يوم النحر ، الذي فسر به قوله تعالى : ( يوم الحج الأكبر).
لقد أقسم الله -عز وجل- في القرآن الكريم، والله - تعالى- لا يُقسم إلا بشيء عظيم؛ قال الله -تعالى-: «وَالْفَجْرِوَلَيَالٍ عَشْرٍ»، والمقصود بالليالي العَشر؛ العشر من ذي الحجة على الصحيح مما ورد عن المُفسرين والعلماء.
كما شهِد لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأنها أعظم أيام الدُّنيا؛ إذ قال: «ما مِن أيَّامٍ أعظَمُ عِندَ اللهِ ولا أحَبُّ إليه مِن العَمَلِ فيهنَّ مِن هذه الأيَّامِ العَشرِ، فأكثِروا فيهنَّ مِن التَّهليلِ والتَّكبيرِ والتَّحميدِ».
أعتقد التفسير اصبح واضحا لماذا الناس يحجون في هذه الفترة.
ويتابع الدكتور أحمد صبحي منصور، ثم ابتداع آخر أفظع، وهو ذكر إبليس في الحرم الإلهي بزعم رجمه ، وإقامة أنصاب على ذكرى إبليس ، والتصارع في رجم هذه الأنصاب . أي إصرار على ذكر إبليس في المسجد الحرام . ومن يخالف هذا فهو مرتد حلال الدم.
رأي فقهاء وعلماء الدين في الرجم اثناء الحج
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّهُ كَانَ يَرْمِي الْجَمْرَةَ الدُّنْيَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ عَلَى أَثَرِ كُلِّ حَصَاةٍ، ثُمَّ يَتَقَدَّمُ، ثُمَّ يُسْهِلُ، فَيَقُومُ فَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ، فَيَقُومُ طَوِيلًا، وَيَدْعُو وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ، ثُمَّ يَرْمِي الْوُسْطَى، ثُمَّ يَأْخُذُ ذَاتَ الشِّمَالِ فَيُسْهِلُ، وَيَقُومُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، ثُمَّ يَدْعُو فَيَرْفَعُ يَدَيْهِ وَيَقُومُ طَوِيلًا، ثُمَّ يَرْمِي جَمْرَةَ ذَاتِ الْعَقَبَةِ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي، وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا، ثُمَّ يَنْصَرِفُ، فَيَقُولُ: هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَفْعَلُهُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
في صحيح الترغيب والترهيب عن ابن عباس رضي الله عنه قال: "لما أتى إبراهيم خليل الله صلوات الله وسلامه المناسك عرض له الشيطان عند جمرة العقبة، فرماه بسبع حصيات حتى ساخ في الأرض، ثم عرض له عند الجمرة الثانية، فرماه بسبع حصيات حتى ساخ في الأرض، ثم عرض له عند الجمرة الثالثة فرماه بسبع حصيات حتى ساخ في الأرض. قال ابن عباس: الشيطان ترجمون، وملة أبيكم إبراهيم تتبعون."
وكل الفقهاء يُعد رمي الجمرات أيام التشريق واجبًا، ومَن ترك واجبًا من واجبات الحج متعمدًا، عالمًا بالحكم؛ فهو آثم، لكن حجه صحيح، وعليه التوبة، والاستغفار، وإن ترك الواجب جاهلاً، أو ناسيًا، فحجه صحيح، ولا إثم عليه، ويجب عليه في الحالين الفدية.
يتابع الدكتور أحمد منصور، ثم استغلال البيت الحرام للأغراض السياسية ، والصّد عنه ، وتحويله إلى ساحات حرب وقتال ، وهو الذي جعله ربّ العزّة مثابة للناس وأمناً . ولنتذكر أن الله جل وعلا توعّد صاحب الإرادة السيئة القلبية ـ في الحرم ـ بالعذاب الأليم ، يقول جل وعلا : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِي وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) (25 الحج).
3. وخلال قرون طويلة كان الإعراب يهاجمون قوافل الحجاج ، بل وكان الأشراف المسيطرون على مكة ينهبون الحجاج ويقتلونهم . على أن استمرار الهجوم على قوافل الحج حتّم تسيير جيش مع القوافل وحصر الحج في موسم بداية الحج في الأسبوع الأول من شهر ذى الحجة ، وصار هذا شريعة أرضية مستمرة حتى اليوم . بالاضافة إلى الحج إلى الرجس المنسوب للنبي واعتبار زيارة (الحبيب) أهم من الحج للبيت الحرام ، واعتبار الكعبة نفسها وثناً والصراع حول لمسها عند الطواف وتقديس مايسمّى بالحجر الأسود .
4. هذه لمحة عن العصيان والابتداع في الحج ممّن لايزالون يقومون بالحج . إن مايحدث الآن في الحج هو عصيان للخالق جل وعلا ، ومخالف لشرع الرحمن في عبادة الحج .
وكل هذا التحريف والعصيان والقتل والقتال يجعل الحج الذي يقومون به ليس إلى بيت الرحمن ولكن في سبيل الشيطان .
حج أهل الكتاب إلى الكعبة
1. كان أهل الكتاب في المنطقة يحجّون إلى البيت الحرام ضمن معرفتهم بملّة ابراهيم ـ مع تحريفهم في ملة ابراهيم . ونتوقّف مع قوله جل وعلا : (كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (93 آل عمران ).
هنا دليل على وجود التوراة الحقيقية لدى بني اسرائيل وقتها ، حيث تحدّاهم ب العزة جل وعلا أن يتلوها.
وفي الآية التالية يقول جل وعلا : ( فَمَنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ) (94 آل عمران ).
هنا تحذير لهم من الافتراء على الله كذباً . وهو تحذير يعني معرفتهم بالله جل وعلا.
وفي الآية التالية يقول جل وعلا : ( قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ) (95 آل عمران ). هنا دعوة لهم للتمسّك بملة ابراهيم التي تعني أنه لاإله إلاَّ الله .
وفي الآية التالية يقول جل وعلا : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96) فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إليه سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ (97) آل عمران ).
هنا تذكير لهم ولغيرهم بالحج إلى البيت الحرام .
رأي فقهاء وعلماء الدين في تحريم حج أهل الكتاب الى البيت الحرام
قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ" [سورة التوبة:28].
يقول ابن كثير هنا: الذين هم نجس دينا، يقصد أن نجاستهم معنوية باعتبار أنهم مشركون محادون لله، متبعون للباطل، فهذا معنى كونه نجساً.
2. إستغلت قريش البيت الحرام وفريضة الحج للاستفادة السياسية والاقتصادية ، ومن أجل مصالحها عارضت الإسلام ثم دخلت في الإسلام. ثم اقترفت الفتوحات العربية من عهد أبى بكر وعمر ومن جاء بعدهم.
ومن البداية قام عمر بن الخطاب بطرد أهل الكتاب من الجزيرة العربية ومنعهم من الحج ، فتوالت أجيال تناست الحج إلى البيت الحرام. وتقع المسؤولية على (عمر بن الخطاب) ومن جاء بعده. هذا بالنسبة لأهل الكتاب من غير الأوربيين.
بالنسبة للأوربيين تقع المسئولية أيضاً على قريش ، بالفتوحات التي بدأها العرب انقسم العالم إلى معسكرين متحاربين كل منهما يرمي الآخر بالكفر، ويشن عليه حرباً دينية . ولم يكن منتظراً في هذه الحالة والتي استمرت قروناً أن يحج الأوربيون إلى البيت الحرام في مكة.
3. على أنه حتى بدون هذه الحرب بين العرب والأوربيين فلم يكن منتظراً أن يحج الأوربيون إلى الكعبة. إن الروم البيزنطيين قد صنعوا من البداية (مسيحية) تتفق مع تراثهم الأوربي بقدر ماتخلو من ملامح ملة ابراهيم التي كانت تتجلى لدى العرب وأهل الكتاب في الجزيرة العربية وما يعرف الآن بالشرق الأوسط.
وبينما عرف أهل الكتاب في الجزيرة العربية الانجيل الحقيقي والتوراة الحقيقية فإن البيزنطيين كانوا قد حرموا الانجيل الحقيقي وأناجيل أخرى وأقرّوا أناجيل مصنوعة تكرّس الثالوث المعتمد لديهم . ثم لاننسى مشاعر الاستعلاء الأوربي البيزنطي نحو العرب، وقد كان البيزنطيون إحدى القوتين العظميين قبل نزول القرآن ، ثم استمروا في مواجهة العرب بعد سقوط القوة العظمى الفارسية.
4. ولكن تستمر مسئولية العرب القرشيين في تحريف مناسك الحج في ناحية أخرى . لقد جعل الخلفاء القرشيون العالم معسكرين : (معسكر السلام : دار السلام)، مقابل (معسكر الحرب والكفر) أي معسكر اوربا والبيزنطيين خصوصاً، وبينما دارت الحرب بين المعسكرين فإن الحرب لم تتوقف ولم تهدأ بين (المسلمين) داخل (دار السلام أو معسكر السلام) , هذا مانشرحه في مقالات كتاب عن مسلسل الدماء في عصر الخلفاء.
وقبله سبق أن توقفنا مع (الفتنة الكبرى) الثانية بعد مقتل الحسين إلى مقتل عبد الله بن الزبير، وأشرنا إلى أن عبد الملك بن مروان قد أسّس المسجد الأقصى حين سيطر خصمه عبد الله بن الزبير على مكة والكعبة وتحكم في الحج واستغله في الدعاية ضد الأمويين وفى إثارة الحجاج من أهل الشام على عبد الملك بن مروان.
لذا دعا عبد الملك إلى الحج إلى المسجد الأقصى بديلاً عن المسجد الحرام . وبعد القضاء على ابن الزبير استمر تقديس ماأسموه بالمسجد الأقصى ، وزعموا أنه المشار إليه في أول سورة الاسراء. وقد كتبنا في كتاب (ليلة الإسراء هي ليلة القدر) أن المسجد الأقصى هو المقصود هو ماكان في جبل الطور في سيناء .
5. ومع دخول أبناء أهل الكتاب في (الإسلام) فقد دخلوا فيه بثقافتهم المتوارثة ، وبعضها مختلط بكراهية الإسلام نفسه والرغبة في تدميره من الداخل ، فهم لم يعرفوا عن الإسلام إلاّ ماعاناه أجدادهم من الفتوحات العربية من سلب ونهب وسبى واسترقاق ومذابح وإحتلال .
الإسلام الحقيقي في القرآن الكريم وجدوه مهجورا بالأحاديث التي افتراها أئمة السنيين العرب (مالك والشافعي) فاتسعت الساحة لهم لكي ينشئوا هم أيضاً مصانع أخرى لافتراء الأحاديث تحمل الثقافات الدينية المنتشرة والسائدة ، لذا تضاعف عدد الأحاديث منذ القرن الثالث الهجري ، مع اتساع دخول القاعدة العريضة إلى (الإسلام) في نفس التوقيت.
6. ومن وقتها بدأ معروفاً تقسيم (المسلمين) إلى شيعة وسُنّة وصوفية ، ولكل منهم أئمته وأسفاره المقدسة . ومع اختلافاتهم في كل شيء إلاّ أنهم يتفقون في عداء الإسلام الحق وفي اتخاذ القرآن مهجوراً.
7. والله جل وعلا يجعل التفرق ملمحاً أساساً من ملامح الكفر والشرك العقيدي ، قال جل وعلا يأمر المؤمنين بالاعتصام بالقرآن الكريم وحده (حبل الله) وينهاهم عن التفرق في الدين : {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جميعاً وَلا تَفَرَّقُوا (103) آل عمران).
ثم ينهاهم ثانياً عن التفرّق في الدين كما حدث لأهل الكتاب من قبلهم : (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105) آل عمران ).
وقال جل وعلا أيضاً يأمرهم باتباع القرآن الكريم الصراط المستقيم وينهاهم عن اتباع السُّبُل : (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)الانعام ).
وقال جل وعلا ينهاهم عن الشرك وأنه التفرّق في الدين : ( وَلا تَكُونُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنْ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32) الروم ).
وقال جل وعلا لرسوله بالبراءة ممّن فرّق دينه : {(إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إلى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (159) الانعام ).
الرسول محمد عليه السلام برىء من أولئك الذين فرّقوا دينهم إلى سنة وشيعة وصوفية واتخذوا القرآن مهجوراً . الرسول محمد عليه السلام برىء من أولئك ( المحمديين ) .!!
أخيراً والقول للدكتور أحمد صبحي منصور:
1. استشهدنا بهذه الآيات الكريمة لصلتها الوثيقة بموضوع الحج لدى المحمديين . ففي العصور الوسطى كان الحجاج ينقسمون شيعاً وأحزاباً ، ليس فقط بين السنة والشيعة والصوفية ، وليس فقط بين حجاج بلد كذا وبلد كذا ، ولكن على مستوى المذاهب .
فقد كان للحجاج الشافعية إمام وللمالكية إمام وللحنفية إمام وللحنابلة إمام، ويصلّي أتباع كل مذهب بإمامهم حول الكعبة . وكان العداء بينهم شديداً ، وكان الخلاف بينهم حول هيئات الصلاة مثل رفع اليد عند التكبير أو وضع اليد أو عدم وضعها ، أو رفع الصوت بالبسملة أو عدم قولها .. وبالتالي كانت مناسك الحج مناسبة للجدل الفقهي مع أن الجدال محرم في الحج . نقصد الحج في الإسلام وليس في أديانهم الأرضية .
2. وليس مايحدث اليوم منفصلاً عن الأمس . الأسرة السعودية تسيطر على البيت الحرام وتفرض أتاوة على من يحج ، والايرانيون غاضبون من هذا بسبب المنافسة السياسية ، ولقد تحوّل الحج والبيت الحرام إلى ساحة للصراع السياسي على هامش المعارك الحربية بين السنة والشيعة من اليمن إلى الشام والعراق وووو..
الخاتمة:
لم يكن هدفنا من هذا المقال الرد أو نقد مقال الدكتور أحمد بهجت منصور (هذا الحج في سبيل الشيطان وليس الى بيت الرحمن)، ولكن استطلعنا بالمقابل رأي الفقهاء وعلماء الدين في ذلك.