-->

المفكر والأديب والباحث الدكتور وديع بشور

في عالم الأدب والفكر، هناك أسماء تترك بصمة لا تنسى. واليوم نسلط الضوء على أحد هؤلاء العظماء، وهو الدكتور وديع بشور، المفكر والكاتب والباحث السوري الذي أثرى المكتبة العربية بأعماله المتنوعة.

الدكتور وديع بشور

لمحة عن حياة الدكتور وديع بشور

المؤرخ والباحث السوري الدكتور وديع بشور (مواليد صافيتا 1930- 2015) درس الطب خارج "سورية" قبل أن يعود إليها ويستقر في محافظة "اللاذقية"، ويعمل طبيباً، أحب أهل المدينة و أحبوه. وتتميز أعمال الدكتور بشور بالعمق والتنوع، حيث تغطي موضوعات متعددة فكتب في الميثولوجيا والتاريخ والأسطورة والأدب والاقتصاد، ويقدم تحليلات فكرية ساهمت في إثراء الحوار الثقافي والفكري، وعرف عنه ميوله السورية الخالصة، وتعمقه في مختلف الأديان. وكانت حصيلة مؤلفاته خمسة عشر كتاباً، إضافة إلى مئات المحاضرات.

مؤلفات الدكتور وديع بشور

– سومر وأكاد 1981
– سوريا ،صنع دولة وولادة أمة . 1997
– سعادة ، ونهجه الفكري 1998
– صهاينة الخرز 2001
– مملكة الشيطان ،المؤامرة مستمرة 2005
– مبدعون سوريون في تاريخ الإنسانية ، 2006
– ديانات الأسرار 2006
– ميثولوجيا سوريا ، أساطير آرام 2007
– أضواء على حرب الفرنج و التركمان 2007 تاريخ صافيتا ومنطقتها 2008
– أدب الرؤى 2009
– حول المرأة 2010
– آراء في الفلسفة السياسية 2011
– رياح الحرية 2012

أضـواء على حـروب الـفـرنـج و الـتـركـمـان، الـحـروب الـصـلـيـبـيـة ، 1095-1302

في إهداءه على كتابه (أضواء على حرب الفرنج و التركمان ) يقول الدكتور بشور: " اليوم يكتمل تسعمائة عام على بدء حروب الفرنج و التركمان التي دعا إليها البابا أوربانوس الثاني في 26 تشرين الثاني 1095، فلنتذكر الضحايا البريئة قبل القتلة والمغتصبين، لنتذكر ملايين السوريين الذين قضوا بسبب الحروب والمجاعات والأوبئة في صراع الغرباء على أرضهم .ولنتذكر ملايين الذين بيعوا في أسواق النخاسة بريعان شبابهم، أو أصبحوا أقنانا ً لدى الإقطاع الغريب، باسم هؤلاء السوريين المنسيين أقدم هذا الكتاب إلى الأجيال المعاصرة كي تستجلي الحقيقة وتتحرر من الأضاليل".

وفي الخاتمة يؤكد الدكتور وديع بشور: "رجاء لا تكرروا المأساة وتنجحوا الفتنة باسم الدين".

رأي الدكتور وديع بشور في الميثولوجيا والأساطير

أما الميثولوجيا والأساطير التي شغلت د. بشور كثيراً فيحددها بالتالي: " هناك أنواع من الميثولوجيا بشكلٍ عام ، والأساطير بشكلٍ خاص منها أساطير الأصول ، التي تفسر بشكل خيالي غير علمي كيف وجدت بعض الأشياء أو حتى بعض الشعوب بإيجاد حكاية عن جد أسطوري أو نصف أسطوري لشعب ما . وهناك أساطير الآلهة وسلالاتها ومهامها وعلاقتها بالبشر، كما أن هناك أساطير الأبطال وهي تحوي بذرة تاريخية حيك حولها كم هائل من القصص طغى على الحقيقة التاريخية ويدخل في هذا التصنيف بعض القصص الدينية التي حاكها خيال القصاصين المتحمسين وليس عقل المؤرخين الموضوعيين وعلى المثقف أن يميز بين الحقيقة والخيال ".

وعن فائدة الميثولوجيا للبحث العلمي يكتب د.وديع بشور: إن دراسة الميثولوجية جزء من دراسة تاريخ الأديان لأن الميثولوجيا هي العقائد الدينية القديمة التي كان ينظر إليها الأقدمون كحقائق لا يرقى إليها الشك ولها طقوسها وأخلاقها وانعكاساتها الاجتماعية . هذه العقائد والطقوس والقيم لم تفنَ بل انتقلت إلى مختلف العقائد الحالية بشكل معدل عبر تسلسل التراث الديني والاجتماعي وإن جهل هذا المتزمتون المصابون بالعمى . لذا فإن دراسة الميثولوجيا تلقي الضوء على الكثير من العقائد والطقوس الحالية وهذا هام في دراسة التاريخ والإيديولوجيات والثقافات وترابطها وخاصة في دراسة الدين المقارن وبذلك تزول الغشاوات عن الأبصار بالعلم والثقافة ويزيد الانفتاح على الآخر وفهمه ".

الاهتمام بتاريخ سوريا القديم

يعبر عنه د. بشور بوضوح: "التاريخ ليس مجرد تدوين الأحداث والإنجازات الحضارية والأخطاء والعبر . بل هو مدرسة لفهم الأحداث ونتائجها في تكوين الأمم وتفاعل الحضارات وصلة الاقتصاد بالسياسة التي لا تنفصم والهزائم والانتصارات العسكرية والنهضات العلمية والفنية وتأثير المدارس الفكرية وسير العظماء والجلادين"، كما قال شيشرون: " من لا يدرس التاريخ يظل طفلاً أبد الدهر".

ويتابع الدكتور بشور رأيه " أن من يتجاهل الماضي يضل الطريق إلى المستقبل . فنحن ندرس التاريخ لا لنعيش في أوهام الماضي بل لنستكشف إمكانيات المستقبل ، ونحدد الاهداف . هنا أقول بكل بساطة يجب أن يدرس تاريخ سوريا القديم والحديث في معاهدنا ".

رأي الدكتور وديع بشور في الشريعة والقانون

وعن الشريعة والقانون يقول د. بشور: " سوريا أم الشرائع . فقد بدأ المجتمع ينمو ويتطور من الأسرة إلى مجموعة الأسر « القرية » إلى عشيرة ثم القبيلة إلى قوم (مجموعة قبائل) وبدء المدن «المدن الدول» قبل نشوء الأمم بالمعنى الحالي للأمة وارض الوطن. ولما كان الإنسان يعيش في مجتمع كان لابد من نشوء علاقات اجتماعية ثم الحاجة لإيجاد أعراف وتقاليد تنظم هذه العلاقات بين أفراد الرعية وجماعاتها وبين الرغبة والسلطة، ومع تطور الدولة والسلطة تحولت هذه الأعراف والتقاليد إلى قوانين وشرائع ومراسيم ملكية يدان ويعاقب من يخرج عليها فتنظم العلاقات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وحتى الدينية ، وظهر فقهاء ومشرعون لكن تشريعاتهم كانت تنشر وتطبق باسم السلطان فلا نعلم من وضع أول تشريع معروف بينما نعلم من وضع المجموعات القانونية للإمبراطور جوسيتنيان لانه من عهود متأخرة نسبياً".

أما حول أول تشريع في العالم فيقول الدكتور بشور: "حتى عام 1942 كانت شريعة حمورابي أقدم الشرائع وأكملها، وفي عام 1952 اكتشف في خرائب نيبور أقدم تشريع معروف حتى الآن وضعه الملك السومري ( اورنمو ) مؤسس سلالة أور الثالثة نحو 2050 ق.م أي أقدم من تشريع حمورابي بنحو 350 عاما، وأقام السومريون أولى المحاكم إلى جانب أولى الشرائع فيلجأ الناس إلى تلك المحاكم طلبا للعدل ولا عدالة بدون قوى نزيهة تحميها وقد قدّس الأقدمون العدالة فاستنزلوا القوانين من السماء وعينوا إلهاً للعدل هو اوتو أو شمش اله الشمس عند السوريين والساميين".

وحول شريعة حمورابي، يقول د. وديع بشور: " كانت الدولة الأكادية تضم الهلال الخصيب أي سوريا التاريخية . ويعتبر حمورابي سادس ملك على عرش بابل من سلالة بابل الامورية الأولى ،وقام بدور الملك والمشرع ورجل السلام ودفع بابل إلى مدينة من الدرجة الأولى وأسس اكبر إمبراطورية منذ أيام سرجون الأكادي . و يكرس تشريع حمورابي مبدأ " العين بالعين والسن بالسن".

تواجد السومريين والساميين في الهلال الخصيب

يقول الدكتور وديع بشور في كتاب (سومر واكد) عن موضوع الهجرات المفترض: "لا ندري منذ متى وجد الساميون في الهلال الخصيب ( الدولة الأكادية تضم الهلال الخصيب أي سوريا التاريخية)، وليس بالضرورة هم نتيجة هجرة من اي مكان من خارجه ، فقد كانوا فيه من عصور ما قبل التاريخ ، وكل شعب لا يوجد فجأة وانما يعبر عن وجوده التاريخي في حقبات الازدهار، وعندما ينشط عسكرياً وحضارياً وسياسياً، وفي حقبات الانحطاط يدخل ظلمات التاريخ فيكون الميت الحي وتهمله كتابات الشعوب المتحضرة.

وبما ان الانسان كان في الهلال الخصيب منذ 150 الف عاماً دون ان يعطي هوية حيث لم تكن كتابة ، بالاحرى ان يكون السومريون والساميون هم امتداد لتلك الشعوب القديمة ، واخذوا هويتهم اللغوية بعد ظهور الكتابة ، ولا نضيع الوقت بأن ( نفلسف ) الهجرات ، وليس لدينا اي دليل على ان الاكديين او الكنعانيين بدأوا تاريخهم وهم بدو رحل ، وبعض الكتابات القديمة توحي بأن الساميون كانوا قلة بين السومريون في جنوب العراق وكانوا كثرة في منطقة كيش (وسط العراق) ، وكانت حضارتهم سومرية ولغتهم سامية كتبت بالمسمارية ، ومن الهام جداً انه ليس هناك اي نص سومري يقول ان الاكديين كانوا فاتحين واعداء او بدو رحل".

خاتمة

يبقى الدكتور وديع بشور رمزاً للعطاء والإبداع في عالم الأدب والفكر، يذكرنا بأهمية الثقافة والمعرفة في تشكيل هويتنا ومستقبلنا، وسيستمر إرثه في إلهام الأجيال القادمة، مع تأكيده على أهمية الفكر والأدب في بناء مجتمعات أكثر تفاهمًا وتقدمًا.

ابن السما الأوغاريتي - اللاذقية 24 مارس 2024