أحياء مدينة اللاذقية القديمة السبعة ... تعرف عليها
تقع اللاذقية ضمن شبه جزيرة طبيعية على الشاطئ الشرقي للبحر الأبيض المتوسط في الشمال الغربي للجمهورية العربية السورية. يعود تاريخ اللاذقية إلى عدة آلاف قبل الميلاد، وكانت تابعة لمملكة أوغاريت، وكانت لها تاريخيا عدة أسماء، أما أصل اسمها الحالي فيعود إلى القرن الرابع قبل الميلاد، حين أطلق عليها الأمبراطور سلوقس نيكاتور اسم والدته لاوديكيا.
منظر عام لمدينة اللاذقية 1959 بعدسة المصور طوروس |
ماذا تشتهر اللاذقية؟
تشتهر محافظة اللاذقية بجمال طبيعتها وطيبة سكانها ، تقع على ساحل البحر الأبيض المتوسط ، بالإضافة إلى أن الكثير من البلدات والقرى والمصايف تتموضع في أحضان الجبال الخضراء التي تكسوها الغابات الطبيعية وأشجار الفاكهة والبساتين.
أيضًا فإن المدينة تعتبر مركزًا سياحيًا هامًا لغناها بالمواقع الأثريّة التي يرقى بعضها إلى العصر الفينيقي، فضلاً عن المناخ المعتدل وتوفر خدمات الصناعة السياحية. كانت المنطقة التي تشغلها المدينة حاليًا مأهولة بالسكن البشري منذ العصر الحجري، وقد شهدت ازدهارًا فنيًا واقتصاديًا وثقافيًا نادرًا وظهرت من أوغاريت الأبجدية الأولى.
أحياء مدينة اللاذقيَّة القديمة
تتألَّفُ المدينة القديمة في اللاذقيَّة من سبعة أحياءٍ رئيسية إضافةً إلى أحياء وحارات صغيرة تتبع لها، ونقفُ في هذه الخلاصة عند تلك الأحياء وسبب تسميتها.
1. حي الشيخ ضاهر
حي الشيخ ضاهر - اللاذقية |
سُمِّي الحيُّ بهذا الاسم نسبةً إلى وجود ضريحٍ قديمٍ عند البوَّابة الشماليَّة للمدينة (بوَّابة أنطاكية) لشيخٍ يُعرفُ بالشيخ ضاهر،واُقيم بجوار الضريح جامعٌ يحملُ الاسم ذاته، بناهُ الحاج مصطفى والحاج محمَّد ابني إبراهيم فرحات في سنة 1201هـ (1787م)، ولا نعلمُ من سيرة الشيخ (ضاهر) شيئاً يُذكر!
وبجوار الضريح وجدت المقابر التاريخيَّة القديمة للمدينة واستمرَّت في العصور اللاحقة إلى زمن إزالتها في عام 1924م وبناء مدرسة التجهيز [جول جمال] مكانها، وتنظيم الحيِّ الذي يُعدُّ من أكبر أحياء المدينة.
2. حي العوينة
حي العوينة باللاذقية |
اكتسب الحيُّ اسمه من عيون الماء الغزيرة الموجودة فيه.. وفي العصر العثمانيّ دُعي الحيُّ في الوثائق القديمة بـِ (صولاق)، ومعنى التسمية: (الأرض الغزيرة المياه)، كان الحيُّ مسكناً لقناصل الدول الأجنبيَّة في العصر العثمانيّ.
3. حي القلعة
حي القلعة في الخمسينات من القرن الماضي - اللاذقية |
كانت في هذا الحيِّ البوَّابة الشرقيَّة للمدينة (بوَّابة أفامية)، وعُرف بهذا الاسم نسبةً إلى القلعتين التاريخيَّتين اللتين كانتا تعلوان الهضبة المشرفة على المدينة وهُدمتا في سنة 620هـ (1223م) في غمرة الصراع الأيُّوبيّ - الفرنجيّ للسيطرة على اللاذقيَّة، هدمهما الملك (الأشرف موسى بن أحمد الأيُّوبيّ) خوفاً من سيطرة الفرنج عليهما، ولم يبقَ منهما سوى بوَّابة صغيرة وبئر قديم وقاعدة أحد الأبراج! وفي ذلك الحيِّ دُرَّةُ جوامع (اللاذقيَّة) وأجملها موقعاً وعمارةً وزخرفةً جامعُ الشيخ (محمَّد المغربيّ).
4. حي الصبَّاغين
حي الصباغين بمدينة اللاذقية 1920 |
يردُ اسمه في الوثائق القديمة باسم حيّ (الصباغة) أحياناً، واكتسب ذلك من أعمال الصباغة المنتشرة فيه قديماً (صباغة الثياب والأقمشة وخيوط الحياكة)، وفي هذا الحيِّ أقدمُ جوامع (اللاذقيَّة) الجامعُ (الكبيرُ) الذي وضع أساسه (الناصر صلاح الدين الأيُّوبيّ) وأتمَّه ابنه (الظاهر غازي)، وفيه أيضاً أكبرُ جوامع (اللاذقيَّة) جامعُ الوزير الحاج (سليمان باشا العظم) وفيه (الغرفة القيصريَّة) مقرُّ أوقاف (اللاذقيَّة) قديماً، وفي هذا الحيِّ دارُ الإمارة (العلائيَّة) التي بُنيت في سنة 995هـ (1587م)، وكذلك دارُ (المفتي).
5. حي الشحَّادين
أعمدة باخوس - اللاذقية |
يردُ اسمه في الوثائق القديمة باسم (الشحَّاتين) أحياناً، أمَّا اسمه المُغرق في القدم فهو حي بوَّابة (إدريس) حسبما جاء في حجَّة وقف الوالي (أرسلان باشا المطرجي) المؤرَّخة في سنة 1101هـ (1789م)، وكان الحيُّ مسكناً لوجهاء وأثرياء المدينة وكانت توجدُ فيه سرايا المدينة القديمة (سرايا بيت المطرجي)، وكان الفقراء والمتسوِّلون يلجؤون إلى ذلك الحي طلباً لصدقات الوجهاء ((يُنظر: لوحة المستشرق بروسبير ماريلا أنموذجاً))، ومع مرور الزمن تغلَّب الجزءُ على الكلِّ فعُرف الحيُّ باسم (الشحَّادين) بعدما أقاموا فيه، ولقد أُطلق عليه حديثاً اسم حي (الأشرفيَّة) نسبةً إلى السلطان المملوكيّ (الأشرف سيف الدنيا والدين قايتباي) الذي زار اللاذقيَّة في سنة 882هـ (1477م).
6. حي الصليبة
قوس النصر - اللاذقية 1885 |
سُمِّي بهذا الاسم لأنَّ (الصليبيِّين) اتَّخذوا منه مقرَّاً لهم في أثناء احتلالهم (اللاذقيَّة)، وفيه وجدت كنيستهم الكبرى (يوحنَّا) ومُصلَّى مطرانهم اللاتينيّ وقادة فرسانهم كنيسة (الليمون)، وكذلك مقرُّ قيادة فرسان الهيكل (الداويَّة). وفي هذا الحيِّ يقومُ أعرق الآثار التاريخيَّة في المدينة (قوسُ النصر).
7. حي الكاملية
حي الكاملية 1947 - أرشيف هشام ساعي |
هو حيٌّ حديثٌ إلى حدٍّ ما، عُرف بهذا الاسم نسبةً إلى السلطان (الكامل محمَّد بن أحمد الأيُّوبيّ) حاكمُ مصر والشام، وتميَّزت مساكن الحيّ ببنائها على الطراز البيروتيّ الحديث على خلاف الطراز الشاميّ القديم المنتشر في باقي الأحياء ((قصر سعادة وعجيل وغيرها نموذجاً)).
أقامت في هذا الحيّ جاليةٌ (شركسيَّةٌ) مهاجرةٌ عقب قيام الحرب العثمانيَّة - الروسيَّة في سنة 1294هـ (1877م)، واتَّخذته البعثة الأمريكيَّة مقرَّاً لها وافتتحت فيه مدرستين للذكور والإناث ومستشفى عام 1859م، ومن ثمَّ أُطلق اسم (الأميركان) على شارعٍ مشهورٍ فيه، وكذلك أقامت فيه بعثة (الفرير) التي كانت موجودةً في عام 1897م، وأنشئت في هذا الحيّ دوائر الحكومة الحديثة كالسرايا الحميديَّة التي بناها متصرِّف اللاذقيَّة (شكري باشا) في عام 1905م، وفيه افتتح أوَّل طريقٍ مرصوفٍ بين (السرايا الحميديَّة) وجامع (البازار).
حارات مشهورة في مدينة اللاذقية
ووجدت في (اللاذقيَّة) حارات صغيرة منها:
حارةُ الموارنة
وكان موقعها زاروب البالة جنوبيّ جامع البازار، وقد هاجر قسمٌ كبيرٌ من سكَّانها إلى (لبنان)، أقامت فيها بعثة (الفرنسيسكان) في عام 1829م وافتتحت ديراً عام 1850م ومدرسةً.
حارة القبارصة
وكان موقعها من تقاطع زاروب (العنَّابة) مع شارع (القوَّتلي) حتَّى الواجهة الشرقيَّة لكنيسة (مار جرجس) وبقيت كلمات يونانيَّة كثيرة محكيَّة في لهجة أهالي الأحياء المجاورة لحيّ (القبارصة).
حارةُ العواميد
تقع في حيّ (الصليبة) وعُرفت بهذا الاسم لانتشار العديد من الأعمدة البازلتيَّة فيها وهي تعودُ إلى العصور الكلاسيكيَّة يوم كانت (اللاذقيَّة) إحدى زهرات العالم الهيلينستيّ الأربع.
حارة الشويكلة
تقع في حي اللصليبة أيضاً وتمتدُّ من مسجد الأمير المملوكيّ (علاء الدين بن الخشَّاش المغربيّ الطرابلسيّ) إلى الجنوب، وعُرفت بهذا الاسم نسبةً إلى زراعة الأرضي شوكي، وفيها قنطرةٌ جميلةٌ من بقايا القناطر القديمة في المدينة.
الحارة الفوقانيَّة
تقع بين (القلعة) و(العوينة) بجوار مطرانيَّة الروم الأرثوذكس المعروفة باسم (القلَّاية)، والتسمية تحريفٌ عامِّيٌّ للكلمة اليونانيَّة Kollion معناها: (مقر المطران).
أحياء قديمة صغيرة كانت مشهورة باللاذقية
- حيُّ (باب هود) عند جامع (صوفان) ومدرسة (البعث) حالياً.
- حيُّ (الأمير موسى) عند كنيسة (مار نقولا).
- حيُّ (التركمان) ضمن محلَّة (القلعة) بجوار (التكيَّة المولويَّة).
- حارة (النصارى) ضمن حيِّ (الشيخ ضاهر).
- حيُّ (المحافر) قرب الميناء.
- حارةُ (العشر) قرب جامع (البازار).
- (بيت القدامسة) بجوار حمَّام (الجديد) وسكَّانه من بلدة (القدموس).
- بيتُ (الأكراد) في حي (العوينة).
خاتمة:
مدينة اللاذقية إحدى مدن سوريا “القديمة” الحديثة تجمع نموذج التعايش الديني والثقافي والاجتماعي، فهي تضم مجموعة من الكنائس والمساجد التي يمتد تاريخها لآلاف السنين، وتشكّل العمارة التراثية جزءاً أساسياً من النسيج العمراني للمدينة القديمة في اللاذقية بكل معالمها وسماتها المعمارية المميزة لها.