سراديب الخيانة الزوجية: حوار بين الأخلاق والعاطفة والعلم

في ظلال أمسيةٍ رمادية، حيثُ تتلوى ألسنةُ الدخانِ من أقداحِ القهوةِ، بدأ الحوار حول موضوعٍ أثقل القلوب: الخيانة الزوجية. ليست مجرد كلمة، بل وادٍ عميق يُمزّق الأرواح والقلوب وينسف الثقة.

علامات الخيانة الزوجية في السعودية

الحوار الأدبي – رأيان متقابلان

رأي الصديق: "الخيانة آفة لا تفرّق"

كان صديقي أولَ من كسرَ حاجزَ الصمت، بصوته الرزين الذي يحملُ وقارَ التجربة وحكمةَ التأمل:

"الخيانةُ يا صديقي، آفةٌ لا تعرفُ جنساً ولا تُفرّقُ بين قلبٍ وقلب... هي ذنبٌ إنسانيٌ يتلبسُ الروحَ، يلقي بها في لججِ الندم. أمامَ الله..."
لا فضلَ لذكرٍ على أنثى في سجلِ الحسابِ، كلانا مسرحٌ لوساوسِ الشيطانِ ومتاهاتِ النفسِ. أبوابُ الفتنِ تتوالى، كالشراراتِ التي تُوقدُ حرائقَ النفوسِ. لذا، أغلقوها يا سالكين! فالنورُ في سنةِ نبينا الهادي، صلى الله عليه وسلم، يرشدُ للتعاملِ الأمثلِ، سيرةٌ تقي النفوسَ من الزللِ.
"ويا نساءَ العالم، تذكرنَ أن الحرةَ لا تزني؛ هذه حقيقةٌ تتوهجُ كنجمٍ في سماءِ العفةِ. فليست كلُّ دردشةٍ بريئةٍ، وليست كلُّ إضافةٍ لغريبٍ زمالةَ عملٍ. تلكَ أبوابٌ مشرعةٌ للفتنةِ، تُلقي بالمرءِ في بحرِ الشهواتِ."
إنْ صانتْ كلُّ نفسٍ عفتها، وأحاطتْ روحَها بسياجٍ من الحياءِ، فلن يجدَ الذئابُ البشريةُ طريقاً. نعم، قد يبقى الضعافُ منهم يلهثونَ خلفَ السرابِ، لكنهم سيجدونَ أبواباً موصدةً ودروباً مسدودةً. المسؤوليةُ مشتركةٌ، على كلٍّ من الرجلِ والمرأةِ أنْ يغلقا دروبَ الضلالِ. اللهمَّ عافنا واسترنا، ففي سترِكَ النجاةُ، وفي عفوكَ الأمان."

رأيي: الخيانة قرار لا عذر له

استمعتُ إليهِ، وفي أعماقي كانتْ تتشكلُ صورٌ لواقعٍ أراهُ أشدَّ قسوةً وأكثرَ تعقيداً. وحينَ حانَ دوري، أجبتُهُ بصوتٍ يحملُ حرارةَ الاقتناع:

"كم يُزيّنُ الكلامُ ظاهرَه، وباطنُهُ يُواري عللاً تتوارى خلفَ ستارِ العباراتِ! الداءُ ليسَ في إبليسَ لعينٍ، ولا في سراديبِ الدردشةِ الزائفةِ. الداءُ الحقيقيُّ يكمنُ في وعيٍ مخرومٍ، باتَ يُعلّقُ أوزارَ الخيانةِ على مشجبِ الفتنةِ المَزعومةِ، ليُبقِيَ الأنثى أسيرةً بينَ أنيابِ ذئابٍ بشريةٍ ومداخلَ شيطانيةٍ مُتوهمةٍ".
كفانا تبريراً مقنعاً بكلماتٍ دينيةٍ تُلقى على الأسماعِ! "الحرّةُ لا تزني"… مقولةٌ جميلةٌ، بيدَ أنَّ الواقعَ يُنبئُنا أنَّ ليسَ كلُّ من لبستْ رداءَ الحياءِ كانتْ حرةً، ولا كلُّ من خانتْ كانتْ ضعيفةً مُجبرةً. فكم من أنثى تخونُ وهي تبتسمُ، تُخطّطُ، تتسلّى، ثم تُغلّفُ خيانتها بغلافٍ شفّافٍ يُواري قبحَ فعلها: "أنا لستُ مفهومةً"، أو "هو لم يكنْ على قدرِ طموحاتي". الخيانةُ ليستْ زلّةَ قدمٍ عابرةٍ، بل هي قرارٌ مُتأنٍ يُتّخذُ بإرادةٍ كاملةٍ. والمجتمعُ الذي يُبرّرُها بمداخلِ الشيطانِ، ينسى أنَّ أكبرَ شيطانٍ قد يسكنُ وجدانَ الإنسانِ هو وعيُ أنثى ترى نفسها ملاكاً طاهراً، مهما خانتْ وكذبتْ وخدعتْ. نعم، الذكرُ يخونُ، وهذا لا يُنكرُه عاقلٌ. لكنَّه لا يجدُ من يرقصُ لهُ على أنغامِ التيك توك، ولا من يهمسُ في أذنهِ "اتبعْ قلبَكَ الذي لا يزالُ ينبضُ بالحياة". تلكَ التي خانتْ وجلبتْ الخيانةَ على طبقٍ من دراما رومانسيةٍ مُلفّقةٍ، ليستْ ضحيةَ شيطانٍ يُوسوسُ لها، بل هي شريكةٌ فيهِ، وبإرادتها الكاملة."

نظرة نفسية – ماذا يقول العلم؟

وبينَ هذينِ الصوتينِ، يرتفعُ همسُ علماءِ النفسِ، كأنهم يفككونَ شيفرةَ هذا اللغزِ الإنسانيّ. هم لا يقفون مع طرفٍ ضدَّ آخر، بل ينظرونَ إلى الخيانةِ كسيمفونيةٍ معقدةٍ من الدوافعِ. إنها ليستْ مجردَ زلّةٍ عابرةٍ، بل غالباً ما تكونُ رقصةً حزينةً لاحتياجاتٍ عاطفيةٍ لم تُلبَّ، لفراغٍ داخليٍّ عميقٍ يسكنُ الروحَ في العلاقةِ الأساسيةِ.

يخبرنا علماءُ النفسِ أنَّ الخيانةَ الزوجية قد تكونُ صرخةً مكتومةً لـضعفِ التواصلِ، أو مرآةً لـصراعاتٍ لم تُحلَّ، أو بحثاً يائساً عن تقديرٍ للذاتِ أو إثباتٍ للجاذبيةِ التي خبتْ في روتينِ الحياةِ. أحياناً، تكونُ آليةَ هروبٍ من ضغوطِ الواقعِ، أو تلبيةً لـاندفاعيةٍ متأصلةٍ في الشخصيةِ. إنهم ينظرونَ إلى "أبوابِ الفتنة" لا كشياطينَ خارجيةٍ فحسب، بل كنقاطِ ضعفٍ داخليةٍ تجعلُ الفردَ أكثرَ عرضةً للإغواءِ عندما لا يجدُ اكتفاءً في عالمهِ الخاصِ.

والأهمُ في رؤيتهم، أنها تؤكدُ صدى صوتي: الخيانةُ قرارٌ واعٍ وإراديٌ، حتى وإنْ كانتْ الدوافعُ خفيةً ومعقدةً. فالمرأةُ التي تخونُ، كما الرجلُ، ليستْ دائماً ضحيةً للظروفِ، بل قد تكونُ فاعلةً، مدركةً لخطواتها، حتى لو بررتْها لنفسها بآلافِ الأعذارِ. إنهم يفككونَ طبقاتِ الوعيِ، ليجدوا أنَّ "الشيطانَ" الحقيقيَّ قد يكونُ كامناً في تلكَ النفسِ التي تخدعُ ذاتها قبلَ أنْ تخدعَ الآخرينَ.

وفي النهاية، يظلُ النقاشُ حولَ الخيانةِ دوامةً لا نهايةَ لها، تتقاذفُها أمواجُ الفهمِ البشريِّ، وتبقى مسؤوليتنا كبشرٍ أنْ نسعى للفهمِ، للعفوِ، ولإغلاقِ السراديبِ المظلمةِ التي قد تُلقي بنا في غياهبِ الندمِ.

علامات وأدلة الخيانة الزوجية في المجتمع السعودي

تشير دراسة لجمعية "المودة" بمنطقة مكة إلى أن العامل الاجتماعي هو الأقوى في الخيانة، يليه العامل النفسي، ثم العامل الجنسي، وبحسب خبراء وعائلات سعودية، أبرز علامات الخيانة الزوجية تشمل:

  • سرية غير طبيعية للهاتف والحسابات
  • الابتعاد العاطفي والجسدي وغياب المودة اليومية
  • تغييرات مفاجئة في العادات والمظهر
  • الكذب الصغير مع مبررات غير منطقية
  • استخدام عطور أو روائح جديدة مفاجئة
  • تغيرات جسدية في نمط العلاقة الحميمة
  • إنفاق مفاجئ من الحساب المشترك دون إخبار الطرف الآخر

الآثار النفسية للخيانة الزوجية

من أبرز الآثار النفسية للخيانة التي تم رصدها بين الزوجين:

  • الخذلان وفقدان الثقة بالنفس.
  • الشعور بالدونية.
  • الحزن المستمر والقلق الشديد.
  • العصبية الشديدة.
  • الرغبة بالانتقام أو التفكير الزائد
  • رغبة قوية في الانسحاب أو الطلاق نتيجة الألم العميق من الخيانة

الخيانة في القضاء السعودي — فسخ عقد النكاح

في المملكة العربية السعودية، تُعد الخيانة الزوجية سبباً شرعياً وقانونياً لفسخ عقد الزواج. فسخ عقد النكاح بسبب الخيانة يُرفع أمام المحكمة للضرر، شريطة توفر أدلة كافية.

كيف نعي ونعالج الخيانة؟

  • الوعي الشخصي: مسؤولية الرجل والمرأة بإغلاق أبواب الفتنة.
  • التواصل والصراحة: تعزيز الحوار لمنع الفراغ العاطفي.
  • اللجوء إلى مختص نفسي: لتفكيك العقد الداخلية ومعالجة الخلاف.
  • الدعم الديني: اعتماد التوجيه النبوي في حفظ العفة.

الخاتمة: الخيانة الزوجية ظاهرة إنسانية معقدة تجمع بين القرار الإرادي والتفكك النفسي. تحتاج للفهم، العفو، والتعامل بحكمة—خاصة في السياق السعودي، حيث، إلى جانب الثقافي والديني، تكون ملاحظة التغيرات المبكرة خطوة حاسمة نحو التشافي.

قد يعجبك أن تقرأ الحج هذه الأيام في سبيل الشيطان وليس إلى البيت الحرام